Friday, August 28, 2015

العوامل الدافعة لاستقلال محاسبة البنوك كعلم قائم بذاته - المبحث الأول -

المبحث الأول
أهم التحديات التى تواجه البنوك  فى ظـل العولمة


أولا : تحرير التجارة فى الخدمات المالية

        شهد قطاع الخدمات المالية أهمية متزايدة فى اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة على حد سواء ، كما حققت التجارة الدولية فى الخدمات المالية زيادة مطردة خلال عقدى الثمانينات والتسعينات ، لذلك فقد أضحى التعاون فى الخدمات المالية ضرورة ملحة فرضتها الظروف والمصالح الدولية المشتركة ، خاصة وأن دراسات عديدة أجريت فى هذا المجال قد أظهرت أن تحرير التجارة فى الخدمات المالية وإرساء نظام التجارة متعدد الأطراف من شـــأنه ـ الى جانب الإصلاحات الأخرى ـ أن يعزز من فرص زيادة الدخل والنمو ، ومن ثم فقد اتخذ التحرير المالى والمصرفى شكلاً رسميا وتنظيميا فى إطار منظمة التجارة العالمية (WTO) ، حيث تعد الجاتس General Agreement on Trade in Services “ GATS “  أول جهد متعدد الأطراف يستهدف وضع القواعد المنظمة التى تحكم التجارة فى الخدمات المالية حيث انتهت المفاوضات التى تمت تحت مظلتها بتوقيع 70 دولة لاتفاقية تحرير التجارة فى الخدمات المالية وذلك فى 13 ديسمبر 1997 ، وهو مـا يعنى تعميق الاتجاه نحو عولمة الخدمات المالية بما تحمله من مفهوم إزالة التمييز فى المعاملة بين الموردين للخدمات من الأجانب والمحليين ، فضلا عن إعادة تنظيم الخدمات المالية المحلية  بما يضمن رفع جودة المنتجات وتعزيز القدرة التنافسية للموردين المحليين، ويغطى الاتفاق الموقع أكثر من 95% من أنشطة قطاع الخدمات المالية التى تقدر قيمتها بتريليونات الدولارات 0
        ولاشك أن تحرير تجارة الخدمات المالية على مستوى العالم هو أمر من شأنه تحقيق مكاسب كبيرة للعديد من دول العالم ، فعلى سبيل المثال يتيح الاتفاق للدول النامية فرص نفاذ خدماتها المصرفية الى أسواق الدول المتقدمة ، كذلك الاستفادة من نقل التكنولوجيا المصرفية الحديثة والمتطورة لأسواق الدول النامية وأيضا الاستفادة من الخبرات الأجنبية فى تدريب وتأهيل العمالة الوطنية المصرفية فى أسواق الدول المستوردة للخدمة 0
        بيد أن توزيع تلك المنافع لن يكون بالتساوى على كافة الدول، بل إنه يرتبط بحجم قطاع الخدمات المالية فى كل منها ودرجة مرونته والمزايا النسبية التى يتمتع بها ، وكذلك مدى قدرته على المنافسة مع القطاعات الخارجية المماثلة ، وهو ما يعنى أن القطاع المصرفى فى الدول النامية سيواجه العديد من التحديات والصعوبات من جراء تحرير التجارة فى الخدمات المالية بسبب تواضع إمكانياتها فى مجال الخدمات بصفة عامة وانخفاض كفاءتها وقدرتها التنافسية ، فضلا عن ان معظم هذه الدول مستوردة للخدمات المالية مما سيلقى بمزيد من الأعباء على صانعى السياسة النقدية  والمصرفية خاصة فى ظل غياب السياسات التنظيمية والرقابية المناسبة ، ولعل من أبرز هذه التحديات ما يلى :-
*      أن تحرير تجارة الخدمات المالية يحد من قدرة المؤسسات المصرفية المحلية على الاستمرار فى ظل أداء ضعيف بسبب تأثير عوامل المنافسة على انخفاض ربحيتها، وهو ما يدعوها لمزيد من التطور والتحديث لكافة أنشطتها وخدماتها كضرورة حتمية للاستمرار فى الساحة المصرفية .
*      تعرض البنوك المحلية لمخاطر المنافسة غير المتكافئة من قبل المؤسسات المصرفية الأجنبية بما تتمتع به من قدرات مالية هائلة وخبرات تكنولوجية بالغة التقدم بالإضافة لقواعد رأسمالية ضخمة وهو ما قد يؤدى الى سيطرة تلك المؤسسات على السوق المحلى، مع احتمال إساءة هذه المؤسسات لسيطرتها على السوق مثل تحريك المدخرات الوطنية وفقا لمصلحتها واستخدام النقد الأجنبى فى أغراض المضاربة ، فضلا عن تأثير سياسات البنوك الأجنبية على السياسات الاقتصادية الكلية للدولة ، وهو ما يبرز أهمية قيام السلطات الحكومية بوضع السياسات الملائمة للتصدى لهذه السلبيات .
*      التخوف من قيام البنوك والمؤسسات المصرفية الأجنبية بخدمة القطاعات المربحة فى السوق فقط بما يحمله ذلك من مخاطر عدم وصول الخدمة المصرفية الى قطاعات أوأقاليم معينة .
*      أن تحرير التجارة فى الخدمات المصرفية قد يؤدى لحدوث أزمـات مصرفية ومالية مع احتمال انتقال تأثيرها السلبى الى الجهاز المصرفى فى بلاد أخرى ، مما يطرح بقوة فكرة وضع أنظمة متطورة للإنذار المبكر للأزمات .
*      قد يؤثر تحرير التجارة فى الخدمات المالية والمصرفية بصورة غير مباشرة على الاستقرار المالى للدولة وذلك من خلال زيادة قابلية تدفقات رأس المال للتقلب ، ففى حالة فقدان الثقة أو الأزمات المالية (كما حدث ابان الأزمة الآسيوية عام 1997) يكون هناك اتجاه عام من قبل رؤوس الأموال للنزوح الى الخارج وبالتالى تقويض الاستقرار فى الاقتصاد الكلى والنظام المالى .
*      نظرا لأن الدول النامية لا تتمتع بمزايا نسبية فى تقديم تلك الخدمات ، فإن فتح أسواق الخدمات المالية المحلية للاستيراد من شأنه زيادة العبء على ميزان مدفوعاتها .
        ولاشك أن هذه التحديات يمكن أن تكون بمثابة قوة دفع رئيسية لاتخاذ السبل المناسبة للتغلب عليها والتكيف معها بفاعلية لتعظيم الاستفادة من تحرير الأسواق المالية المحلية أمام المنافسة الأجنبية وتعزيز المقومات التنافسية للبنوك .

ثانيا : متطلبات لجنة بازل Basel II

        استكمالا لما بدأته لجنة بازل منذ عام 1988 لتدعيم الملاءة المالية للبنوك بوضع حد أدنى لمعدل كفاية رأس المال يبلغ 8% شهدت الساحة المصرفية فى السنوات الأخيرة جهودا دؤوبة من قبل اللجنة لوضع صيغة جديدة لمقررات كفاية رأس المال المعروفة بـ Basel II لتحل محل الاتفاق الحالى. الأمـر الذى يشكل تحديا هاما أمام الصناعة المصرفية حيث يتسم الاتفاق الجديد بالشمولية واستخدامه لأساليب قياس بالغة التعقيد تتطلب قدرا من التطور لم يبلغه العديد من البنوك على مستوى العالم .
        ففى حين التزمت نحو 100 دولة بمعدل كفاية رأس المال الذى نص عليه اتفاق عام 1988 إلا ان التطورات الحادة التى شهدتها الساحة المالية خلال عقد التسعينات قد قلصت من فاعليته كوسيلة للتأكد من أن متطلبات رأس المال تتناسب مع المخاطر الحقيقية التى تواجهها البنوك .
        ذلك أن النظام الذى وضعه الإطار الحالى لترجيح الأصول بأوزان المخاطر كان ينجم عنه فى أحسن الأحوال معدل مجمل ومبسط لكفاية رأس المال لا يأخذ فى اعتباره الدرجات المختلفة للمخاطر الائتمانية التى تتناسب مع المشاكل والأوضاع المتباينة للمقترضين كما أنه لا يمنح حوافز ملائمة للبنوك التـى تستخدم تقنيات متقدمة لتخفيض المخاطر. ولهذا كان الاتجاه بجعل شروط الاتفاقية الجديدة Basel II أكثر تعقيدا من الأولى .
        وقد تمثلت بداية هذه التعقيدات فى وضع ثلاثة محاور رئيسية ارتكزت عليها المعايير الجديدة وهى :-
المحور الأول : وضع حد أدنى لمتطلبات رأس المال Minimum Capital Requirements ، والذى يتضمن ثلاثة أساليب مقترحة للتعامل مع مخاطر الائتمان :-
                      * أسلوب قياسى Standardized Approach : يقوم على أساس التقييم الخارجى لمخاطر الائتمان من قبل وكالات التقييم الخارجية0
                      * الأسلوب الأساسى للتقييـــــم الداخلى لمخـــــاطر الائتمــــــان Internal Rating Based Approach (IRB) 0
                      * الأسلوب المتقدم للتقييـــــم الداخلــــى لمخــاطرالائتمــــــــان Advanced Internal Rating Based Approach (A-IRB) 0
المحور الثانى : المراجعة الرقابية لكفاية رأس المال Supervisory Review of Capital Adequacy  0
المحور الثالث : انضباط السوق (الإفصاح) Market Discipline 0
        وهكذا فإن الاتفاق الجديد يفرض قواعد مشددة على البنوك من أجل التوصل الى رقابة داخلية واعية وعالية الكفاءة يدعمها وجود رقابة واسعة النطاق من قبل السلطات الرسمية وسط مناخ يتسم بالشفافية الكاملة ، ومن ثم فإن تطبيقه لن يكون بالأمر اليسير ، وقد يلاقى العديد من البنوك مصاعب كبيرة فى مقابلة متطلبات الاتفاق لاسيما بالنسبة للأجهزة المصرفية بالدول النامية بصفة عامة والدول العربية بصفة خاصة ، حيث يمكن إيجاز بعض تلك التحديات فيما يلى :-
1 ـ     يتسم منهج التقييم الداخلى (IRB) للبنوك الذى تفرضه المعايير الجديدة بالتعقيد وارتفاع التكلفة مما يصعب معه استيعابه وتطبيقه من قبل العديد من البنوك .
2 ـ     من المتوقع ألا يكون لدى البنوك الخبرة والأنظمة وقواعد البيانات اللازمة لتطبيق منهج التقييم الداخلى.
3 ـ     عدم توافر موارد لتغطية الاستثمار فى التكنولوجيا المتطورة وأنظمة إدارة المخاطر وجمع المعلومات حيث تعد تقنيات التحكم فى المخاطر وإدارتها المقترحة فى الاتفاق الجديد قاسية بدرجة كبيرة مما ينبئ بصعوبة الوفاء بها من قبل العديد من البنوك التى تعانى من ضعف الأطر الرقابية وضعف أنظمة المدفوعات والتسوية.
4 ـ     سوف يؤدى منهج التقييم الداخلى الى لجوء معظم البنوك الى الاعتماد على الطريقة القياسية للتصنيفات من قبل وكالات التقييم ومن ثم ستواجه البنوك غير المصنفة ائتمانيا متطلبات لرأس المال أعلى بسبب أوزان المخاطر العالية .
5 ـ     سيعمل عدم اعتياد المنشآت والعملاء على الأخذ بأساليب التقييم المقررة على إلقاء عبء أكبر على رأسمال البنوك نظرا لأن عدم تقييم العملاء سوف يرفع من أوزان مخاطرهم الى 100% على أقل تقدير .
6 ـ     سيشكل النقص فى تقييمات وتصنيفات الأصول بشكل مفصل عائقا أمام الوفاء بمتطلبات بازل الخاصة بالرقابة.
ثالثا :  انتشار عمليات غسيل الأموال  Money Laundering
        تعد عمليات غسيل الأموال من أخطر الجرائم الاقتصادية التى يشهدها عصرنا الحديث ، حيث فرضت هذه الظاهرة نفسها فى مختلف دول العالم ، المتقدم منها والنامى على حد سواء فى ظل التحرر المالى الذى تشهده أسواق المال العالمية.
        وتواصل ظاهرة غسيل الأموال نموها بشكل متزايد مما يهدد الاستقرار الاقتصادى.ويكمن حجم المشكلة فى ضخامة الأموال التى يتم غسلها كل عام والتى تتدفق عبر النظام المالى العالمى ، حيث يقدر حجم الأموال التى يتم غسلها سنوياً من خلال بنوك العالم  بنحو 3 تريليون دولار أى ما يقدر بنحو 5% من اجمالى الناتج العالمى. وقد يكون البنك طرفا أصليا مشاركا فى عمليات غسيل الأموال وتقديم التسهيلات اللازمة لضخ الأموال المشبوهة فى الاقتصاد القومى لاسيما وأن المنافسة العالمية قد ساهمت فى تسهيل نقل هذه الأموال من دولة الى أخرى ، حيث ترحب البنوك بالأموال القادمة اليها رغبة فى جذب الودائع بصرف النظر عن تحرى المشروعية مادامت الأرباح التى ستتحقق طائلة، وقد امتدت هذه الظاهرة أيضا الى سماسرة الأوراق المالية وشركات الصرافة رغبة فى جذب أكبر عدد ممكن من العملاء وما يعنيه ذلك من تحقيق أرباح كبيرة .
        وتتكثف منذ فترة الجهود العالمية لمكافحة عمليات غسيل الأموال ، حيث واصلت مجموعة العمل المالى الدولى Financial Action Task Force (FATF) جهودها من أجل تعزيز المعايير والقواعد الدولية الخاصة بعملية مكافحة غسيل الأموال ، حيث تعمل على حث دول العالم على الالتزام بالمعايير الـ 25 الخاصة بتحديد الدول المتعاونة وغير المتعاونة فى مكافحة عمليات غسيل الأموال ، كما أدخلت هذه المجموعة ثمانية معايير إضافية الى المعايير الـ 40 الموضوعة سابقا والتى تعد ميثاقاً يحكم أساليب مكافحة غسيل الأموال فى كافة أنحاء العالم ، وتختص المعايير الثمانية الجديدة بعملية مكافحة تمويل الارهاب .
        هذا وقد قام مجلس الأمن باصدار بيان بأفراد ومؤسسات يشتبه فيهم فى عمليات غسيل الأموال وتمويل الارهاب ، وتم ارسالها الى الجهات المسئولة بمختلف دول العالم من أجل تجميد أرصدتهم مع اجراء ضغوط قوية على السلطات والمصارف المحلية للتأكد من قيامهم بعمليات التجميد المطلوبة.
رابعا : الثورة التكنولوجية Technological Revolution
        يعد التقدم التكنولوجى من أهم المتغيرات التى ساهمت فى إحداث تحول جذرى فى أنماط العمل المصرفى فى عصر العولمة ، حيث اهتمت البنوك اهتماماً كبيراً بتكثيف الاستفادة من أحدث تقنيات المعلومات والاتصالات والحواسب الآلية وتطويعها بكفاءة عالية بغية ابتكار خدمات مصرفية مستحدثة وتطوير أساليب تقديمها بما يكفل انسياب الخدمات المصرفية من البنوك الى العميل بدقة وسـهولة ويسر ، الأمر الذى يتواءم مع المتطلبات المعاصرة والمتزايدة لمختلف شرائح العملاء من ناحية ويحقق للبنك نمواً مطرداً فى حجم عملياته وأرباحه من ناحية أخرى .
        ولعل من أهم ملامح هذه المنظومة الحديثة هو الانتقال التدريجى من البنوك التقليدية التى لها وجود مادى فى شكل فروع ومعاملات الى البنوك الافتراضية Virtual Banks والتى تعتمد على شبكة الانترنت فى تقديم خدماتها للعملاء وهى ما تسمى Internet Banks لتضيف أبعاداً غير مسبوقة للعمل المصرفى .
        وقد ساعد على هذا الانتشار التطور الهائل فى شبكة الإنترنت ، حيث يتوقع أن يبلغ عدد مستخدميها يومياً أكثر من 500 مليون شخص فى عام 2003 وبمعدلات انتشار عالية تتجاوز نسبة 70% من السكان بالولايات المتحدة ونحو 50% من سكان أوروبا الغربية ، كما يشهد معدل نمو الطلب على الخدمات المالية والمصرفية عبر شبكة الإنترنت نمواً متزايداً ومتسارعاً على مستوى العالم ، وتشير التوقعات الى أنه خلال عام 2003 تبلغ على سبيل المثال نسبة المتعاملين مع بنوك الانترنت نحو 25% من الأوروبيين ، فى حين سيبلغ عدد المستخدمين العرب للخدمات المصرفية عبر الانترنت حوالى 25 مليون شخص فى السنوات القليلة القادمة، الأمر الذى دفع البنوك الى تخصيص ميزانيات ضخمة للإنفاق على تطوير استخدامها  لتقنيات المعلومات الحديثة ، خاصة وأن استثمار البنوك فى تكنولوجيا المعلومات قد أتاح للبعض منها تقديم خدماته فى هذا المجال كأحد الأنشطة الجديدة التى يعتمد عليها فى جنى الأرباح لتحقيق أقصى استفادة ممكنة من التكاليف الضخمة للاستثمارات التكنولوجية .
        ويعد توسع البنوك فى تقديم خدمات الصيرفة الالكترونية " E-Banking " من أهم ثمار الثورة التكنولوجية فى العصر الحديث ، حيث تنوعت قنوات تقديم الخدمات المصرفية عن بعد Remote Banking Services عن طريق آلات الصراف الآلى ATMs ونقاط البيع الالكترونية Electronic Point of Sale (E.P.O.S)  فضلا عن خدمات البنك المنزلى Home Banking ، البنك المحمول Mobile Banking ، وكذلك التليفزيون الرقمى Interactive Digital Television ، حيث ساهمت هذه القنوات بلاشك فى تحرير العملاء من قيود الزمان والمكان وتوفير الوقت والجهد لعملاء البنوك .
        وبالإضافة لما سبق فقد صاحب هذا التطور الكبير فى الخدمات الإلكترونية وتنامى عمليات التجارة الإلكترونية ، انتشار وسائل الدفع والسداد الإلكترونية مثل بطاقات الائتمان المختلفة Credit Cards والشيكات الإلكترونية Electronic Checks ، والبطاقات الذكية Smart Cards ، فضلا عن ظهور النقود الإلكترونية E-Cash لتيسير عمليات تسوية المدفوعات إلكترونياً .
        ومما لاشك فيه أن تطور ووصول الخدمات المصرفية الإلكترونية لمراحل أكثر تقدماً لهو سلاح ذو حدين ، فعلى الرغم من تأثيره الايجابى على كفاءة التنفيذ والأداء فى البنوك إلا أنه يلقى بمزيد من الأعباء عليها ، لاسيما أن الخدمات المصرفية المقدمة عبر القنوات الإلكترونية المختلفة باتت تهدد الخدمات المقدمة بواسطة الفروع مع تناقص ربحية العمليات المصرفية التقليدية حتى أصبحت العمليات المصرفية التى تتم داخل فروع البنـك لا تتجاوز 10% من اجمالى العمليات وفيما عدا ذلك يتم بواسطة القنوات الإلكترونية المختلفة، خاصة وأن الدراسات تشير الى انخفاض تكلفة تقديم الخدمة المصرفية الإلكترونية عنها فى حالة استخدام الوسائل التقليدية ، إذ تبلغ تكلفة إجراء أى معاملة مصرفية عبر أحد الفروع التقليدية فى المتوسط نحو دولار أمريكى واحد مقارنة بنحو 0.5 دولار بواسطة الهاتف ، 0.2 دولار بواسطة الكمبيوتر الشخصى، إلا أنها عبر الإنترنت تبلغ 0.1 دولار فقط 0 بل من المتوقع أن يحدث مزيد من الانخفاض فى تكلفة خدمات الإنترنت فى الفترة القادمة..قد بات لزاماً على البنوك أن تواجه هذا التحول التكنولوجى بسرعة وكفاءة عالية والعمل على استيعاب أساليب التكنولوجيا المتطورة واقتناء أحدث تطبيقاتها وتطويعها على النحو الأمثل  .
خامسا : تغير هيكل الخدمات المصرفية
        شهدت الأسواق النقدية والمالية العالمية منذ منتصف عقد الثمانينات اتجاها متزايدا نحو التحرر من القيود Deregulation  والتشريعات واللوائح والشكليات والمعوقات التى تحد من التوسع فى عمليات البنوك ، فيما مثل ثورة للتحرير الهيكلى حيث تم فتح مجالات الأنشطة التى لم يكن مسموحاً بها أمام البنوك والمؤسسات المختلفة ، وكذلك رفع القيود أمام فتح الفروع والمكاتب بالإضافة الى إلغاء القيود على الأسعار التى تتقاضاها البنوك والمؤسسات المالية الأخرى سواء أسعار الفائدة أو رسوم الخدمات .
        وقد انعكس هذا المناخ بشكل كبير على أعمال البنوك وهيكل الخدمات التى تقدمها وذلك على النحو التالى :-
1 ـ  حدثت تغيرات هامة فى هيكل ميزانيات البنوك حيث تنوعت مصادر الأموال ومجالات توظيفها فلم يعد المصدر الرئيسى لأرباح البنوك يتحقق من الائتمان المصرفى بل من الأصول الأخرى المدرة للدخل ومن عمليات إدارة الأصول Asset Management Business والعمليات خارج الميزانية Off-balance Sheet ، ومن ناحية أخرى انخفض النصيب النسبى للودائع فى اجمالى خصوم البنوك ، بينما زاد النصيب النسبى للخصوم القابلة للمتاجرة Tradable Liabilities وبخاصة السندات .
2 ـ  أدى دخول البنوك التجارية فى عمليات بنوك الاستثمار الى توسيع دائرة المخاطر التى تواجه أعمالها لتشمل مخاطر السوق بالإضافة للمخاطر الائتمانية مما دفع البنوك لاستحداث أدوات جديدة لإدارة هذه المخاطر .
3 ـ  شهدت البنوك فى معظم دول العالم تغيرات هامة فى مكونات الودائع تمثلت فى اتجاه نسبة الودائع لأجل وودائع التوفير وشهادات الإيداع الى اجمالى الودائع للتزايد بشكل واضح مقابل انخفاض حجم الودائع الجارية ، مما حدا بالبنوك لدفع فوائد على الودائع الجارية ، بالإضافة الى اتجاه البنوك للتعامل بأسعار الفائدة المتغيرة على اختلاف أشكالها، الأمر الذى أدى الى جعل تكلفة مصادر تمويل البنوك بما فيها الودائع أكثر حساسية لتغيرات أسعار الفائدة فى الأسواق، ومن ثم الى التقلب الشديد فى تكاليف وإيرادات البنك وكذلك أرباحه الصافية .
سادسا : الاندماجات المصرفية Bank Mergers
        يعد الاندماج المصرفى هو أحد المتغيرات المصرفية العالمية التى تزايد تأثيرها بقوة، خاصة خلال العقد الماضى مع تسارع وتيرة العولمة والتحرر المالى فى ظل بيئة اقتصادية تنطوى على العديد من المخاطر المرتفعة والمنافسة شديدة الضراوة، ولم تقتصر عمليات الاندماج المصرفى على البنوك والمؤسسات المصرفية المحلية فى نطاق الدولة الواحدة فقط، بل امتدت لتسجل أيضا حالات اندماج مصرفى بين بنوك ومؤسسات مصرفية من دول مختلفة وهو ما يعرف بـ Cross Border Mergers . ويعد الاندماج المصرفى أحد أنجح السبل لمواجهة المنافسة المحتدمة فى الساحة المصرفية العالمية والضغوط التى تعانى منها المصارف فى ظل المستجدات على الساحة المصرفية العالمية بالإضافة الى المشكلات الداخلية المتعلقة بتدنى الربحية وضعف القواعد الرأسمالية ، كما كان لمتطلبات لجنة بازل لمعدل كفاية رأس المال أثره الواضح فى اتجاه البنوك نحو الاندماج لتدعيم قواعدها الرأسمالية. وقد أدت موجة الاندماجات العالمية والإقليمية الى قيام نوع من المصارف كبيرة الحجم القادرة على توفير حزمة متكاملة ومتنوعة من الخدمات والمنتجات المالية والمصرفية والاستثمارية بطرق تكنولوجية متطورة وتكاليف منخفضة ، كما أدت الى الانتقال من مرحلة الإدارة التى تقوم على مركزية القرار الى مرحلة الإدارة التى تركز على تقييم الأداء مع الاهتمام بتعظيم العائد على حقوق الملكية وإرضاء العملاء، لذا يعد تكوين الكيانات المصرفية العملاقة من أهم السمات المعاصرة للعمل المصرفى فى ظل العولمة الاقتصادية  .


No comments:

Post a Comment