Saturday, August 15, 2015

المعايير المحاسبية وعلاقتها بالاطار الفكرى للمحاسبة القومي

الفصل الأول

مدخل في
المحاسبة القومية

        أصبحت المحاسبة القومية في العصر الحاضر موضوع اهتمام الكثير من الكتاب و ذلك لاعتبارها مدخل ضروري لدراسات متخصصة و متعمقة و في هذا الفصل سوف نتناول بالدراسة مفهوم المحاسبة القومية من خلال المفاهيم و التعاريف التي أطلقها عليها المهتمين بدراسة هذا الفرع من علم المحاسبة و سنحاول – حسب طاقتنا – من وضع تعريف أو مفهوم للمحاسبة القومية و من خلال التعريف سوف نلقى الضوء على أهداف المحاسبة القومية ووظائفها و سنحاول الإجابة عن بعض الأسئلة التي طرحناها في عرض مشكلة هذه الدراسة و هي هل هذه الوظائف محقة أم لا ؟ و هل هي تحقق أهداف معايير المحاسبة أم لا ؟

مفهوم المحاسبة القومية .

    اختلفت المسميات التي أطلقت على هذا الفرع من العلم إذ أطلق البعض عليها المحاسبة الاجتماعية 1 و أطلق آخرون عليها المحاسبة الاقتصادية بينما يميل البعض إلى تسميتها بمحاسبة الاقتصاد الكلى و هناك من أطلق عليها المحاسبة القومية الاقتصادية أو المحاسبة الاجتماعية الاقتصادية .

   و قد فضل خبراء الأمم المتحدة اسم المحاسبة القومية علي هذا الفرع من علم المحاسبة و أصبح هذا الاسم الأكثر استخداما و شيوعا .

   و المحاسبة القومية تعتبر  أداه لقياس و تحليل و عرض النشاط الاقتصادي للدولة في صورة مجموعة من القوائم و الحسابات القومية المعدة طبقا لنظرية القيد المزدوج ، وترتكز على مجموعة من المفاهيم و الفروض و المبادئ المحاسبية على المستوى القومي ، و ذلك بهدف توجيه النشاط الاقتصادي للدولة لاتخاذ القرارات المالية و الاقتصادية و الاجتماعية على المستوى القومي .

   وقد عرفها[1] البعض بأنها " تهدف إلى قياس النشاط الاقتصادي للمجتمع و للقطاعات التي يتكون منها في فترات منتظمة ثم تصوير هذه النتائج وترتيبها بحيث يتسنى دراستها و استخدامها كأساس للتخطيط و المتابعة و اتخاذ القرارات الاقتصادية .

  و يذهب آخرون[2]  إلى تعريف المحاسبة القومية إلى أنها " وسيلة لوصف النشاط الاقتصادي و هي تعتمد على دراسة و تتبع الصفقات التي يجريها المتعاقدون في القطاعات المختلفة في صورة حسابات تعد على أساس القيد المزدوج بهدف تحليل السياسات الاقتصادية فتسجل كل صفقة مرتين في حسابين مختلفين بقيمتها النقدية .

  كما يعرفها البعض[3]  بأنها " أداه مبنية على الدراسة المنهجية و التحليلية لوصف تدفقات النشاط الاقتصادي في شكل صفقات قد تكون حقيقية أو مجازية . بهدف تحليل و ترشيد السياسات الاقتصادية في الدولة ، و تستخدم في عرض هذا الوصف مجموعة من الحسابات القومية تعد على أساس نظرية القيد المزدوج . 
 
  و قد عرفها المؤتمر الدولي لكتاب المالية العامة بأنها " وسيلة اصطلاحية تسمح بتصوير جداول محاسبية تشتمل على معايير كمية لإعطاء فكرة إجمالية قياسية عن النشاط الاقتصادي في دولة ما خلال فترة محددة .

   و كذلك فقد عرفها ريتشارد ستون بأنها وسيلة عملية لوصف الوجه الاقتصادي للحياة الاجتماعية الذي يتمثل في صورة عمليات أو صفقات فعلية أو مجازية خلال فترة محددة من الزمان .

  وذهب البعض إلى تعريف المحاسبة القومية على أنها فرع من فروع المحاسبة يهتم بتحديد و قياس و تبويب و تلخيص و عرض و تفسير نتائج العمليات الاقتصادية التي تتم داخل الاقتصاد القومي للدولة خلال فترة زمنية معينة و استخدام أساليب متعددة و متكاملة بهدف توفير معلومات مناسبة و مفيدة في مجالات التخطيط و الرقابة و اتخاذ القرارات بما يحقق الهداف الاقتصادية و الاجتماعية و السياسية للدولة .

  و هناك رأى[4] يعرف المحاسبة القومية بأنها مجموعة الحسابات التي تصرح عن قيمة و تفاصيل كامل إيرادات و مخرجات اقتصادها .

   و يرى البعض[5]  أن المحاسبة القومية هي نظام يحتوى على مجموعة متجانسة و متكاملة من الحسابات الاقتصادية التي تغطى جميع القطاعات و القطاعات الفرعية المؤسسية في الاقتصاد و العلاقات الاقتصادية بين الاقتصاد المعنى و بقية العالم .

  وقد صمم إطار محاسبي شامل لتيسير إجراء مجموعة من التحليلات التي تغطى الإنتاج وتوليد الدخل وتوزيعه واستخداماته وتكوين رأس المال والأنشطة المالية .

  ويضم نظام المحاسبة القومية مجموعة كاملة من الحسابات المترابطة للمعاملات وغيرها من التدفقات النقدية بالإضافة إلى ميزانيات عمومية تبين أرصدة الأصول غير المالية والأصول والخصوم المالية .

  وتتكامل الميزانيات العمومية تكاملا تاما مع الحسابات الأخرى بحيث تقوم المعاملات والتدفقات الأخرى خلال الفترة المحاسبية تفسيرا كاملا للتغيرات في الميزانيات العمومية من بداية الفترة المحاسبية إلى نهايتها .

     مما سبق يتضح أن الشراح اختلفوا فيما بينهم على وضع اسم محدد لهذا النوع من علم المحاسبة كما أن هذه التعاريف لذلك العلم اهتمت بالجانب الذي يعتبر هذا العلم كأداة للقياس والتحليل والعرض فقط دون النظر إلى كونها نظام له مجموعة من المدخلان التي تتفاعل معا للوصول إلى مخرجات للنظام تفيد في تحقيق الهداف المرجوة منها كما أن  هذه التعاريف لم تنظر إلى هذا النوع من علم المحاسبة على أساس أنه جزء من نظام المعلومات الاقتصادي الكمي والمعلوماتى يهدف إلى تجميع وتصنيف البيانات وتسجيلها ومعاملاتها وتفسيرها وتحليلها وعرضها وتقديمها بشكل تقارير ومعلومات معبرا عنها بوحدة نقدية وفى وقت محدد ، تزود المستويات الإدارية المختلفة بهذه المعلومات لتستفيد منها في عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية والإدارية .

    ولذا فمن اجل اتخاذ هذه المراحل من العمليات المحاسبية لابد من وجود الوسائل اللازمة لتجميع وتسجيل وتفسير وتحليل وعرض هذه البيانات وهى ماتسمى بالمستندات والمجموعة الدفترية والتقارير المحاسبية والتي بمجموعها تشكل نظاما متكاملا للمحاسبة .

    ولا شك أن تحديد كيفية تجميع وتسجيل وتفسير وتحليل وعرض هذه البيانات تحتاج إلى الاستناد إلى مجموعة من المعايير التي تعتبر مقياس أو نموذج أو من أساس يهدف إلى تحديد أساس الطريقة السليمة لتحديد وقياس وعرض والافصاح عن عناصر القوائم المالية وتأثير العمليات والأحداث والظروف على المركز المالي للوحدة الاقتصادية ونتائج أعمالها فلابد من وجود مجموعة من المعايير مثل معيار التدفقات النقدية أو معيار الاستثمار في الأذون المالية إذ أن تحديد هذه المعايير سوف يكون له تأثير على جودة المعلومات وتحديدها مما يسهل في اتخاذ القرار بناء عليها .

   لا شك أن عدم وجود  معيار يمثل خطورة في الشكل والمضمون الذي بموجبه يتم قياس العمليات والأحداث والظروف التي تؤثر على نتائج الأعمال وهناك يكون الناتج القومي مما يؤثر ذلك إلى نقص الثقة في المعلومات المالية التي تظهر في نتائج الأعمال للوحدة الاقتصادية مما ينتج عن ذلك بالطبع نزوح المستفيدين إلى التحفظ المخل والبحث عن وسيلة أخرى لمعرفة حقيقة نتائج الأعمال.

  انه ولمواكبة التطور الهائل في مجال الأعمال الهامة وجب إصدار معايير محاسبية مالية يحدد على ضوئها طرق مقياس تأثير العمليات والأحداث والظروف على نتائج الأعمال وإيضاح نتائجها إلى المستفيدين . ولا جدال أن غياب معايير محاسبة قومية يؤثر بشكل سلبي مباشر على الاقتصاد الوطني ككل ويكمن هذا في جوانب متعددة منها صعوبة عملية اتخاذ القرارات والخطأ في عملية اتخاذ القرارات وتعقيد عملية اتخاذ القرارات .

   لذلك فلابد عند تحديد تعريف المحاسبة القومية أو مفهوم لها يؤخذ فيه الاعتبارات التي تتناسب والعصر الذي نعيش فيه .

   مما سبق يمكننا تعريف المحاسبة القومية على أنها عبارة عن فرع من فروع علم المحاسبة يعمل كنظام أو نسق إلى وصف النشاط الاقتصادي الذي حدث أو سيحدث خلال فترة زمنية معينة في دولة ما أو إقليم داخل تلك الدولة من خلال مجموعة من المفاهيم والفروض والمبادئ  المحاسبية على المستوى القومي التي تهتم بتحديد وقياس وتبويب وتلخيص وعرض وتفسير نتائج العمليات الاقتصادية من خلال مجموعة كاملة من الحسابات المترابطة للمعاملات وغيرها من التدفقات بالإضافة إلى ميزانيات عمومية تبين أرصدة الأصول غير المالية والأصول والخصوم بفرض توفير المعلومات الأساسية والإضافية التي تؤثر على السلوك الاستهلاكي وعل الأنشطة المدرة للدخل والوقت من خلال مجموعة من المعايير المحاسبية التي تتناسب والعصر الذي نعيشه ومتطلبات التغيرات الاقتصادية العالمية التي  توفر الثقة والموضوعية لمتخذي القرار وتحقيق الأهداف القومية .

  والشكل التالي يوضح إطار للمحاسبة القومية في ضوء التعريف السابق ومدى الاحتياج إلى وضع معايير محاسبية .



ومن هنا نستطيع أن نحدد أهداف المحاسبة القومية في النقاط التالية:[6] 
 
.1 _ قياس نتائج النشاط الاقتصادي للدولة عن فترة محددة .
فالمحاسبة القومية أداه لقياس الإنتاج والاستهلاك والاستثمار على مستوى الاقتصاد القومي وذلك من خلال إعداد حسابات الدخل القومي .

2 _ توصيل النتائج المتعلقة بالثروة القومية في تاريخ معين من خلال تصوير الميزانية القومية للفئات المستخدمة لتلك المعلومات .

3 _ إبراز وإظهار العلاقات المتداخلة بين القطاعات المختلفة التي يتكون منها الاقتصاد القومي .
وذلك من خلال إبراز مخرجات قطاع معين أو تكون من خلال قطاع آخر داخل نظام الدولة حيث أن استخدامات قطاع أ قد تكون موارد لقطاع ب أو لقطاعات ب،ج فالأجور مثلا في قطاع الأعمال والقطاع الحكومي تعتبر موارد في القطاع العائلي ، ومهمة المحاسبة القومية إبراز تلك العلاقات بشكل يساعد على تحليل الاقتصاد وبناء النماذج الاقتصادية .

4 _ تقديم البيانات والمعلومات اللازمة لترشيد السياسات الاقتصادية والتخطيط واتخاذ القرارات حيث أن الباتات التي توفرها المحاسبة القومية عن الدخل القومي مثلا ومصادره ومكوناته تساعد في وضع الخطط ورسم السياسات الاقتصادية التي تمكن من تنمية الدخل القومي وتنويع مصادره.

5 _ المساعدة في عمل المقارنات بين الدولة ودول أخرى فعلى مستوى الدولة ودولة أخرى يمكن مثلا مقارنة دخل الفرد ، إنتاجية الفرد ، القيمة المضافة ، مستوى الاستثمار الاجمالى والصافي . وعلى مستوى الدولة نفسها يمكن مقارنة بين القطاعات إنتاجية الفرد ، الإنفاق العام لكل وحدة ، وذلك خلال فترات زمنية محددة .
    
مراحل تطور المحاسبة القومية .[7]

     بعد أن قمنا بوضع صياغة لمفهوم المحاسبة القومية وأهدافها يلزم أن نلقى الضوء على مراحل تطور المحاسبة القومية وذلك من خلال :- دراسة مجموعة الآراء والأفكار النظرية لعلم الاقتصاد والتي تمت عن طرية العلماء وذلك وفقا للترتيب التالي :ـ

أ ـ التجاريون :ـ

تركزت آراء مدرسة التجاريون في أن قياس ثروة المجتمع في أي وقت تتكون من رصيد الذهب المملوك للدولة . ولم يتعرف أصحاب هذه المدرسة بشكل أو بآخر على فكرة الدخل القومي .

ب ـ تعريف وقياس الدخل :ـ

تعتبر هذه الدراسة من الدراسات الرائدة والتي قام بها كلا من sir William petty & Gregory king  أحد الركائز الأساسية لتحديد مفهوم الدخل القومي .
ج ـ علماء الطبيعة :ـ

وقد ساهم علماء الطبيعة في تطور المحاسبة القومية وذلك لقيامهم بالدراسة المعروفة باسم " الجدول الاقتصادي " حيث تناول هؤلاء العلماء الناتج الصافي متمثلا في ناتج الأرصدة الزراعية فقط ، وكيفية توزيعه بين المجموعات الرئيسية لطبقات المجتمع ، وذلك باعتبار أن الدخل القومي يتمثل فقط في صافي قيمة الإنتاج الزراعي حيث أن النشاط الزراعي يعتبر النشاط الأنتاجى الوحيد في الدولة .

وتعتبر هذه المحاولة أحد المعلومات الرئيسية في تطور المحاسبة القومية حيث انها تعكس أحد الجوانب الهامة التي تختص بها تلك المحاسبة وهو التشابك الاقتصادي بين الأنشطة المختلفة وتتبع الدخل من حيث تولده وتوزيعه.

د ـ علماء الاقتصاد :ـ

قام العالم الاقتصادي  Adam Smith بتحديد مفهوم الإنتاج على أنه يشمل كافة الأنشطة المتعلقة بإنتاج السلع المادية سواء كانت زراعية أو صناعية أو خدمية مثل خدمات التجارة والنقل ويعرف هذا المفهوم باسم " منهج الإنتاج المادي " .

ومن خلال هذا المفهوم يتحدد الاتى : ـ

1 ـ يشتمل الناتج القومي على مختلف أشكال النشاط الأقتصادى التي تقوم بإنتاج سلع مادية والخدمات المرتبطة بهذا الإنتاج فقط .

2 ـ يتكون الدخل القومي من جملة دخول أصحاب عوامل الإنتاج نظير مساهمتهم في إنتاج السلع المادية .

3 ـ تعتبر دخول النشطة غير المنتجة بمثابة تحويلات أو إعادة توزيع لدخل العمل وعلى ذلك يعتبر مفهوم Adam Smith لدائرة الإنتاج أوسع وأشمل من مفهوم علماء الطبيعة حيث أنه يتعلق بكافة الأنشطة المادية ، فضلا عن قيام كارل ماركس بمشاركة أدم سميث نظرته لطبيعة العملية الإنتاجية والمفهوم المادي للإنتاج [8]

هـ ـ منهج الإنتاج الشامل :

    قام الفريد مارشال في أواخر القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين بإحياء " نهج الإنتاج الشامل " ويعنى بهذا المفهوم أن يتضمن الدخل القومي كافة السلع المادية وغير المادية ومن ثم يتضمن الناتج القومي كافة الأنشطة المنتجة للسلع والخدمات .

و ـ الاتجاه نحو دراسة المجاميع القومية :

  تعتبر النظرية العامة للتوظف والفائدة والنقود والتي ظهرت في عام 1936 نتيجة أبحاث كينز من المراحل الهامة نحو محاولة بناء نظام متكامل لحسابات الدخل القومي وبداية حقيقية لمفاهيم المحاسبة القومية وحيث أدت هذه الدراسة إلى الاهتمام بعناصر الدخل القومي وحجم العمالة ، فضلا على أن هذه الأبحاث وجهت الاهتمام نحو الإطار القومي والدراسة الكلية للاقتصاد القومي وذلك بالتركيز على المجاميع القومية الكلية ، وعى تأكيد أهمية شرط التوازن الاقتصادي العام وتحديد المتغيرات الهامة في نمو الناتج القومي .

  وعلى ضوء هذا الاتجاه أخذت المحاسبة القومية ولأول مرة في دراسة المجاميع القومية وفي تحليل مدى ترابطها وأثر ذلك على الاقتصاد القومي في مجموعة ، كما أمكن بفضل تحول الدراسة من التحليل الجزئي إلى التحليل الكلى للاقتصاد القومي بلورة العدد الهائل من المعاملات الاقتصادية في ثلاثة مجاميع قومية هي الدخل القومي والناتج القومي والأنفاق القومي .

ثانيا : مراحل التطور عن طريق جهود المنظمات الدولية :

  تمثلت جهود المنظمات الدولية في وضع وتركيب الصور المختلفة للمحاسبة القومية في عدة نماذج هي :

النموذج الأول : في عام 1947 قدم هذا النموذج لهيئة الأمم المتحدة ويتضمن هذا النموذج " قياس الدخل القومي وتركيب الحسابات القومية " .

النموذج الثاني : قدم للهيئة الأوربية للتعاون الأقتصادى " نظام نمطي للحسابات القومية " في عام 1950 وتم تعديله مرتين في عام 1952 ، ثم عام 1958 .

النموذج الثالث : قدم " نظام للحسابات القومية والجداول المساعدة " إلى هيئة الأمم المتحدة في عام 1953 ، وتم تعديله مرتين في عام 1960 ، ثم في عام 1964 .

النموذج الرابع : قدمت اللجنة الإحصائية التابعة لهيئة الأمم المتحدة في عام 1978 " نظام للحسابات القومية " وأرصدة المكتب الاحصائى للأمم المتحدة عام 1969 .

النموذج الخامس : قدم مركز التنمية الصناعية التابع لجامعة الدول العربية في مايو 1970 " نظاما موحدا للحسابات القومية لدول الجامعة العربية " .[9] 

   وفي سياق الجهود التي بذلت على مدى الشر سنوات الأخيرة والتي أوصى بها برنامج الأمم المتحدة للبيئة ، حيث تضافرت من أجله جهود الاقتصاديين وعلماء البيئة وخبراء الحسابات القومية لتذليل العقبات النظرية والتطبيقية المرتبطة بتأثير البيئة  على القوائم والحسابات القومية وذلك بهدف زيادة الكفاءة والفاعلية السياسية والأقتصادية والاجتماعية على المستوى القومي .[10]

ثالثا : مراحل التطور عن طريق جهود الدول المختلفة :

بالإضافة إلى ما سبق من جهود الكتاب والمظلمات نجد أن هناك جهود بذلت وتجارب من جانب الدول المختلفة نبرز أهمها فيما يلي :
1 – الولايات المتحدة الأمريكية :
     تمت بعض الجهود الرائدة في الولايات المتحدة تمثلت في إعداد جداول المدخلات والمخرجات وفي إعداد جداول التدفقات المالية وكذلك الميزانية القومية .

2 ـ الأتحاد السوفيتي :
   حيث تم استحداث الموازين التخطيطية كإحدى صور المحاسبة القومية في الاتحاد السوفيتي ودول شرق أوروبا وذلك لاستخدامها كأداه للتخطيط القومي الشامل .

     ولاشك في أن مراحل التطور السابقة في المحاسبة القومية من وجهه نظر الباحث انما بهدف خدمة وتطوير الاقتصاد القومي وفاعلية المعلومات اللازمة لمتخذي القرار ويمكن بلورة هذا على التطور المحاسبي للحسابات القومية من خلال ثلاثة اتجاهات فكرية على النحو التالي :

الاتجاه الأول : طريقة القيد المزدوج : حيث تمتد ضرورة هذه الطريقة إلى المرحلة البدائية التي كانت فيها مجرد قيود في حسابات الإيرادات والمصروفات ، ثم تطورت إلى مرحلة التعرف على دائنية ومديونية المشروع مع من يتكامل معهم فظهرت حسابات الأستاذ وأخيرا اهتمت بتصوير العمليات التي يعقدها المشروع معن ثم أظهرت حسابات بضاعة أخر المدة والأرباح والخسائر وحساب رأس المال .

أما في نظام المحاسبة القومية فيعتمد على تحليل وعرض ما يتم من عمليات وصفقات في دائرة النشاط الاقتصادي بمستوياتها الثلاثة القطاعي والإجمالي والتحليلي .

الاتجاه الثاني : حيث استوحى هذا الاتجاه من فكرة الفرد وإنتاج المشروع وتطبيقهما على المستوى القومي لإمكان التوصل إلى مجاميع كليه للأفكار والعناصر الأساسية للاقتصاد القومي كالدخل القومي والإنتاج القومي ، ويعاب على هذا الاتجاه اهتمامه بالجانب العملي وحده وإهمال الأسس النظرية وإلا المحاسبية .

الاتجاه الثالث : يرجع إلى الأسس النظرية التي ابتدعها التطبيقيون وتوارثها عنهم ماركس وكينز ومازالت حتى اليوم أساسا لتقسيم المجتمع إلى فئتي المنتجين والمستهلكين ونواه لتحليل التدفقات المالية .[11]

رابعا : تطور المحاسبة القومية في مصر :

  ارتبط تطور الحسابات القومية في جمهورية مصر العربية [12]  لتطوير أسلوب إدارة الاقتصاد القومي ، حيث تم استخدام حساب الدخل القومي في إعداد الميزانية القومية وتم تطويره بشكل يندمج مع نماذج المدخلات والمخرجات لتعكس التشابك بين هذه الحسابات الأمر الذي يؤدى إلى زيادة كفاءتها وفعالية استخدامها .

  إذ تطورت هذه الحسابات من محاولات فرديه لتقدير الدخل القومي في فتره ما قبل الثورة إلى أشكال أكثر تعقيدا مع الآخذ بنظام التخطيط القومي كأسلوب لإدارة النشاط الاقتصادي .
ولقد مرت المحاسبة القومية في مصر بعدة مراحل مختلفة تهدف إلى محاولة وضع إطار محاسبي متكامل يشتمل على حسابات الدخل القومي ، مصفوفة المدخلات والمخرجات ، جداول التدفقات المالية ، قائمة المركز المالي .[13] 

   ويقوم كل من الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء ووزارة التخطيط في الوقت الحالي بإعداد الحسابات القومية في مصر وأيضا جداول المدخلات والمخرجات ، كما يشتمل نظام هذه الحسابات والجداول في الوقت الحالي أربعة أنواع هي :

1 – حسابات الدخل القومي .
2 – جداول التدفقات المالية .
3 – موازين السلع والخدمات .
4 – جداول المدجلات والمخرجات .

  وينفرد الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بإعداد حسابات الدخل القومي باعتباره محور الحسابات القومية من الناحية الاحصائيه بمعنى إنها تهيئ الإطار الاحصائى الذي يرتكز بصفه أساسيه على الجداول التاريخية التي تسجل العمليات بين وحدات الاقتصاد القومي أما الحسابات الثلاثة الأخرى فيتم إعدادها بصفه أساسية للأغراض التخطيطية ، وأحيانا لأغراض احصائيه ، وبالتالي تقوم بإعدادها وزاره التخطيط .

  وشارك المشرع المصري في ظل الحياة الأشتراكيه في فترة الستينيات على توحيد النظم المحاسبية في شركات القطاع العام ، حتى يمكن إجراء الرقابة والتخطيط وتقييم الأداء لكافة القطاعات التي يتكون منها الاقتصاد المصري وذلك على المستوى القومي ، الأمر الذي أدى إلى إصداره النظام المحاسبي الموحد بالقرار الجمهوري رقم 4723 لسنه 1966 م .

  ولعل صدور النظام المحاسبي الموحد بهذا القرار وهو قرار سياسي خير دليل على أهمية الدور الذىتقوم به المحاسبة لخدمة الأغراض القومية وتأكيدا للدور الحاسم للبعد السياسي على المهنة في مصر .[14] 

  ويعتبر التوحيد المحاسبي أداه للربط بين مفاهيم وأسس المحاسبة المالية ومفاهيم وأسس المحاسبة القومية ، وذلك استفادة على توفير بيانات أساسية وأدوات تحليلية وذلك لربط حسابات الوحدة المحاسبية على المستوى الجزئي بالوحدة المحاسبية على المستوى الكلى لخدمة أهداف معينة على المستوى القومي .[15]

إلا أنه فهناك العديد من المشكلات التي توجه إعداد الحسابات القومية أهمها :

1 – قصور البيانات الإحصائية الأساسية اللازمة لإعداد الحسابات القومية .
2 – المشكلات التنظيمية وما يشوبها من قصور في العلاقات التبادلية بين جهاز التعبئة العامة والإحصاء ووزارة التخطيط .
3 – مشكلات وصعوبات وإخطار التجميع والقياس معا .
4 – تعدد الفئات المستخدمة لمعلومات المحاسبة القومية .

   وهذا لاشك دعا المحاسبون القوميون في مصر إلى ضرورة زيادة  كفاءة البيانات الإحصائية وتوحيد المفاهيم والمنهج العلمي المستخدم في المحاسبة القومية .

  كما يتعين ضرورة الاهتمام من جانب وزارة التخطيط والجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء بالحسابات  الإقليمية في إطار الحسابات القومية  وذلك بهدف زيادة كفاءة وفاعليه التخطيط الأقليمى ، ومن ثم زيادة كفاءة وفاعلية التخطيط القومي . [16]

  ويعتقد الباحث أنه ونتيجة لمواجهة العديد من المشاكل الاقتصادية في القرن الحادي والعشرين أصبح من الضروري إيجاد وسيلة أو أداه تمكن من التعرف على الموارد المتاحة في المجتمع ومقدار الدخل والناتج القومي ومقدار الإنفاق الاستثماري والاستهلاكي على المستوى القومي وذلك بهدف عرض وتحليل نتائج النشاط الاقتصاد القومي وهو ما يعني امتداد نطاق المحاسبة من المستوى الجزئي إلى المستوى الكلى . وحيث أن المحاسبة القومية تمثل امتدادا طبيعيا لعلم المحاسبة ، وأن هذا الامتداد لن يؤثر على الأهداف والوظائف التقليدية المتعارف عليها ولكنه سيؤدى إلى اتساع نطاق إجراءات المحاسبة بطريقة تسمح بدراسة السلوك الإنساني بأسلوب أكثر فاعليه .

  وذلك من خلال تكون إطارا شاملا لنظام المحاسبة القومية يشتمل على نسق متكامل من المفاهيم والفروض والمبادئ الخاصة بهذا النظام يعتمد على مجموعة من المعايير المحاسبية المصرية [17] التي تستند إلى ما يناسب من المعايير الدولية على أن تعد هذه المعايير على أساس مفاهيم أكثر ملائمة لتحقيق هدف توفير المعلومات المفيدة لصناع القرارات الاقتصادية ومستخدمي القوائم المالية من مستثمرين حاليين ومحتملين وموظفين ومقرضين وموردين ودائنين تجارين آخرين وعملاء وحكومات ووكالاتها وجمهور وذلك لإشباع بعض احتياجات هؤلاء المستخدمين من حاجتهم للمعلومات .

وذلك لكي تحقق المحاسبة القومية وظائفها

وظائف المحاسبة القومية :

    مما سبق تستطيع أن تستخلص وظائف المحاسبة القومية في النقاط التالية :

1 – تعتبر أداه لوضع منهج وتنظيم المعلومات الاقتصادية الخاصة بكافه العمليات والصفقات التي تتم في الاقتصاد القومي في مجموعه وعلى المستوى القطاعي والاجمالى والتحليلي بشكل منسق وفقا لإطار احصائى محاسبي محدد .

2 – تقوم بتوفير البيانات الخاصة بالإنتاج القومي عن فتره زمنيه معينه من خلال حسابات الدخل القومي والتي تقوم على فكره توازن الموارد والاستخدامات بالنسبة لقطاعات الاقتصاد القومي .

3 – يقوم طبقا لمفاهيمها بالمساعدة في إعداد الميزانية القومية التي تعتبر جزءا متمما لنظام المحاسبة القومية فهي تستخدم كوسيلة للربط بين حسابات التدفقات أو التيارات المتعلقة بالنشاط الاقتصادي في فترتين زمنيتين متتاليتين وتحتوى على الأصول والخصوم على المستوى القومي.

4 – تهتم بحسابات ميزان المدفوعات  والذي يعتبر قائمه محاسبيه تبين علاقة الدولة بالعالم الخارجي من الناحيتين الاقتصادية والمالية وماله من أثر على الاقتصاد القومي .

5 – تهتم بجداول المدخلان والمخرجات التي تبين التدفقات لسلع والخدمات عبر القطاعات المالية والتي تتبع تحركات الموارد المالية وكذلك تدفق المدخرات عبر قطاعات الاقتصاد القومي كما أنها تهتم بحسابات تدفق الاستثمار والتي توضح في تبويبها شكل أضافه الأصول الثابتة والمخزون السلعي من جهة وتصوير مصادر التمويل لهذه الاستثمارات من جهة أخرى .

6 – تقوم طبقا لمفاهيمها بالمساعدة في إعداد الموازنة القومية والتي تعتبر تقدير للموقف الاقتصادي المنظر لفترة قادمة وهو يمثل تعبير كمي عن الأهداف المختارة خلال فتره مقبله وما يتطلب تحقيق هذه الأهداف من موارد اقتصادية .

جدول مقارنة بين المحاسبة القومية والمحاسبة المالية يساعد في صياغة المعايير المحاسبية الخاصة بها

وجه المقارنة
المحاسبة المالية
المحاسبة القومية
- العمليات الاقتصادية غير المشروعة مثل الاختلاسات – الرشوة – الشراء والبيع في السوق السوداء – السرقات.
يستبعد إثباتها في سجلات المحاسبة المالية نظرا لصعوبة قياسها عمليا وفى شكل نقدي
يفضل عدم استبعاد هذه العمليات وربما الاكتفاء بحصرها في شكل احصائى تقديري حتى تظهر الحسابات القومية على اتفاق مع القوانين السائدة في البلاد
- العمليات الاقتصادية التي يصعب قياسها نقدا
تستبعد من الحسابات المالية التي تعتمد على استخدام وحدة النقود كأساس لعملية القياس
تعد عادة موازين العمليات غير النقدية مثل ميزان القوى العاملة والموازين السلعية وميزان الرض كما هو متبع فى الاتحاد السوفيتي
- سعر السوق
لا يتخذ هذا السعر لتقييم العمليات الاقتصادية بل يتخذ التكلفة أساسا لهذا الغرض في المحاسبة المالية في المشروعات
يتخذ هذا السعر أساسا في المحاسبة القومية لتقييم العمليات الاقتصادية ، ويلجأ المحاسب القومي عادة إلى الاعتماد على الإحصائيات المتاحة وأخذ السعر الحالي السائد في أكبر سوق في البلاد.
- استهلاك الأصول الثابتة
يتم على أساس اتخاذ تقييم الصول على اساس التكلفة التاريخية
يتم احتساب اهلاك الاصول الثابتة على اساس التكلفة الاستبدالية للأصل
مبدأ استمرار المشروع
يتم على أساس التكلفة التاريخية
يتم على أساس التكلفة الاستبدالية
فى القياس
يعتمد على فرض ثبات القوة الشرائية لوحدة النقود فى الأزمات المختلفة
يعتمد على سعر السوق كاساس للقيمة وقد يكون فى استخدام وحدة النقود كأساس للقياس أمرا سهلا بالنسبة للصفقات الاقتصادية الممثلة فى تبادل السلع وخدمات سوق معينة حيث تتحدد لها قيمة نقدية عن طريق السوق
قياس الربح
يعتمد فى قياس الربح على مبدأ تحقيقه عند البيع أى أنه لا يعترف بأى أرباح محققة الا بتحقق الايرادات وذلك نتيجة لاتباع سياسة الحيطة والحذر.
ان تحقيق الربح ينشا بالنسبة للمجتمع ككل عند اتمام الانتاج نظرا لأن البيع من وجهة نظر الاقتصاد القومى فى مجموعه لا يمثل سوى انتقال السلع الموجودة من الأصل بين أفراد المجتمع نفسه وليس هناك ما يدعو لمبدا الحيطة والحذر.



[1] د.حسين عامر شرف : مبادئ المحاسبة الحكومية والقومية ، دار النهضة العربية ، 1981،ص211.
[2] د.نبيل على درويش الحديدي : المحاسبة الحكومية والقومية ، مكتبة الجلاء ببور فؤاد، بدون تاريخ ، ص350.
[3] د. محمود  شوقي عطا الله : المحاسبة الحكومية والقومية ، مكتبة الشباب ، القاهرة ، 1984، ص264.
[4] باتريشيا الكسندر ، سالى بادن : مسرد المفردات فى الاقتصاد الكلى من منظور جندرى ، عمل مشترك مع " بيريدج" والمؤسسة اللمانية للتعاون الفنى ، GT2 شباط 2000 ص 30.
[5] صندوق النقد الدولى : دليل الاحصاءات النقدية والمالية ، واشنطن العاصمة  2000  C   I X ص 90.
[6] د. محمد صبري العطار ، المدخل في المحاسبة القومية ، بدون ناشر ، القاهرة ، 1984،ص 3.
[7] محمد جمال على محمد هلالي : مرجع سابق ص 13.
[8] أ -   د. محمد سعيد الشناوي ، المحاسبة القومية ، دراسات نظرية وتطبيقية ، الزقازيق ، بدون ناشر ، 1998  ، ص 27 .
  ب-   د. أحمد سامي عثمان ، نظام المحاسبة القومية ، القاهرة ، دار الجيل للطباعة ،  1976 ، ص 7-8 .
[9]  د. أحمد سامي عثمان ، مرجع سابق ، ص ص 14 – 15 .
[10]  د. حسين حسني إبراهيم ، البيئة في الحسابات القومية ، مجلة أفاق جديدة ، العدد الثالث ، السنة الرابعة ، جامعة المنوفية  ، كلية التجارة ، 1993 ، ص 187 .
[11]  د. محمد سعيد الشناوي ، مرجع سابق ، ص ص ، 34 – 35.
[12]  د. حافظ حسن عوض شعيب ، " نحو منهاج جديد لفهم مشاكل ودور الحسابات القومية في مصر " ، المجلة العلمية للاقتصاد والتجارة ، العدد الأول ، جامعة عين شمس ، كلية التجارة ، 1991 ، ص 677 . 
[13]  د. ليلى فتح الله ، المحاسبة القومية ، القاهرة ، دار الحريري للطباعة ، 1995 ، ص ص 5،6 .
[14]  د. زين العابدين سعيد فارس ، " البعد السياسي وأثره على صياغة المعايير المحاسبية " ، مجلة الدراسات والبحوث التجارية ، العدد الأول ، جامعة الزقازيق ، كلية التجارة ، فرع بنها ، 1988 ، ص 231 .
[15]  الجهاز المركزي للمحاسبات ، النظام المحاسبي الموحد ، الجزء الأول ، القاهرة ، يناير 1995 ، ص 30 .
[16]  محمد جمال على محمد هلالي ، مرجع سابق ، ص 20 .
[17] قرار وزير الاستثمار رقم 243 لسنة 2006 ، معايير المحاسبة المصرية ، إطار إعداد وعرض القوائم المالية ، ص 14 إطار.

No comments:

Post a Comment